.

تحذير : هذه المدونة تخضع لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية ونحذر من نشر أو نقل أي نص أو مقال للكاتبة.. دون نسبه للمؤلفة.. في أي وسيلة

28.6.10

ليه غاب بدري ... الخامس


سماء البحرين اليوم مختلفة .. ترتدي سواد الدخان .. تضج بزوبعة تقتلع امان البسطاء منا ... ومن يظنون ان امانهم لا يخترق ابدا .. جو خانق متوتر .... مطالب شعبية ... دستور .... حياة برلمانية .... البحرين للبحرينيين ... مسيرات سلمية ... مظاهرات تندد وتنكر وتطالب و ..... تركن للعنف احيانا .... عنف اعمى يخطف تحت اقدامه الأبرياء ... تفجيرات ... ضرب ... قمع ... اعتقالات ... وخوف من شارع لا يعرف الفرق بين من ناهضه ومن والاه ... جموع غفيرة ... رمادية اللون ... مبهمة الملامح ... زائغة الأبصار .... واهازيج تحمل بين طياتها جنائز الفرح ويولد من رحمها تفكك مؤلم ... وطائفية كريهه .. تفوح رائحتها فتخنق حقيقة الخروج إلى الشارع

حريق ... حريق ...حريق ... وآه يا ديرتي

كيف ينقلب عالمك بين يوم وليلة من قمة الأمان ... إلى خوف يعشعش بين ضلوعك ... وسؤال يلازمك في كل لحظه ... ليش!!
كيف تتغير الملامح ... وتنقسم الجموع ... وتظهر حدة المسميات ... ويتصنفون البشر على اساس انتماءاتهم الدينية رغم ان اللي يجمعهم بلد واحد ... واللي بيضمهم بالنهاية تراب هالبلد
كيف اقدر ارفع حجر على جاري لأنه سني وشلون اقدر ارفع سلاح على صاحبي لأنه شيعي ....
شلون صرنا صفين!!
ومن اللي حسب الحسبه وقسم اللقمة بينا وبينهم ... هذا لكم وهذا لنا ....
من اللي حط مقاييس الصح والغلط وقال ان احنا صح واهم غلط او العكس ....
من اللي حكم على انتماءنا لك يا وطن وصنفه على اساس مذاهبنا .....
من اللي سمانا بحريني وبحراني ....
من اللي قال ان طرف له حق اكثر من الطرف الثاني ...
من منا يحصد اللوز ... ومن منا ياكل الحصا عشان يسد جوعه ...
وبأي رحم انزرع الظلم ... ولما انولد طفل مكسور كان من نصيب من؟؟


شنو اللي قلب كل الموازين فجأة .... وصار صاحبك يتحذر منك لأنك مو من مذهبه ... وصارت العيون تحمل بين نظرها خوف وتقية واحيانا تحدى غريب
وصارت الملامح تتوارى ورى قناع مبهم الملامح ....
حتى ممرات الكلية صارت منقسمة نصين وروداها يتبادلون نظرات تحمل الكثير من المشاعر المتناقضه واللي معناها متواري خلف حذر مر يباعد بين الخطوات ويفرق الأصحاب ويزرع بذرة للشك بين كل اثنين مختلفين بالإيمانيات ....
وانملت الساحات اللي كانت تجمع الطلاب حول احاديث الدراسه والأمور المختلفه  بقوات مكافحة الشغب واحيانا مخابرات وأي تجمعات كانت تفض بشكل اجباري ....
وتوقفت جميع الأنشطة الطلابية والجامعة اصبحت ثكنة عسكرية والتفتيش صار شي معتاد وين ما نروح... والجو يحمل بين طياته تحفز لأي شي ممكن يحصل ... كأن في مارد كان نايم وبلش يصحي بين الصفوف ... 

العسكر نزلوا الشوارع ... وقوات مكافحة الشغب صارت تجول بكل مكان .... والجيش في حالة استنفار .... حتى السكيك والساحات الترابية اللي كانت تجمع الأطفال فضت .... وعرف الطفل يومها ان وقع تحت تصنيف يديد عليه .... وانا اهو مو من جماعة صاحبة

وآنا وبدر كنا من ضمن المصنفين .......

" بدر ... انت شتقول!!"
" انتي مغمضة عيونج يالزينه ... ومو راضية تشوفين اللي حولج"
" الكلام هذا مو صحيح وعمري ما شفته حولي .... ولا سمعت فيه"
"لأنج بعيده عنه ... طول عمرج عايشه ضمن بوتقة الناس اللي لها كل شي .... ما عرفتي الجوع ... ما عرفتي القمع ... وما عرفتي الحاجة ... ولا عرفتي القهر لأنج حتى بأعلى الشهادات ما راح تقدرين تشتغلين عشان تضمنين اللقمة لج ولأهلج "
" يعني انت تبي تقول لي انك انت عرفته؟"
"يالزينه ... اللي قاعد يصير بالديرة مو آنا ولا انتي ... الموضوع اكبر من تصورج"
"اسكت ... اسكت .... مابي اسمع .... انا ربيت في بيت يحترم السلطه ... ويحب ديرته .... والقانون عنده فوق كل اعتبار... وعمري ما حسيت ان لي حق وما اخذته .....ولا حسيت ان ديرتي قصرت معاي"
يقاطعها" انتي مغمضه ....وتبين تكملين مغمضه يالزينه ...."
"تصنيفاتكم هذي ما اعرفها ... ما افهم لها"
"يالزينه التصنيفات هذي مو احنا اللي حطيناها ... هم اللي اخلقوها عشان تكون وسيله  تفكك الشارع البحريني .... وتضعف قضيتنا .... وتنهي مطالبنا بنهاية اهم اختاروها ....  "
تقاطعه بغضب" اسكت ... لا احد يسمعك .... بدر ... لا يكون انت منهم!!!"
" منهم!!"
"ايه آقصد المعارضه؟"
"اذا تقصدين بمنهم والمعارضة الشيعة فخليني اقول لج  ان المعارضه فيها منكم بعد يالشيخه ... مو بس منا"
" يعني شنو!!"
"يعني معارضتنا بحرينية .... لاسنية ولا شيعية .... تطالب بدستور يحمي حقوقنا .... وبرلمان يتكلم بصوتنا .... وبحرين ما فيها تجنيس لناس موب من اهلها"
"تبي تقول لي ان اللي قاعدين ينزلون الشارع ويكسرون ويفجرون ويحرقون مو شيعة بس!!"
"لاء .... اللي قاعدين ينزلون سنة وشيعة ... واللي قاعدين يعتقلون انتي عارفتهم زين من اي توجه ... السالفة فيها انتقائية لأغراض مشبوهه ومعروفه ... وضرب الصف الواحد منها وزرع فتنة الطائفية في كل بيت وكل فريج وبين البحرينيين كلهم ... يبون يشغلونا في بعض ويضروبنا في بعض عشان نلتهي عنهم وننسى ان لنا حق نقول لاء "
"اسكت ... اسكت ....مابي اسمع سياسه .... مابي .... بحياتي كلها ما حبيتها ولا فهمتها ... اللي يهمني بالموضوع انت .... قول لي انت .... معاهم"
"انا مع البحرين ... والبحرين تبي ناسها"
" لاء .. لاء ... لاء .... لا تنحاش من الجواب ..... لا تكسر قلبي ... لا تزرع الخوف فيه .... ما بي اصبح الصبح ما الاقيك .... وتروح وما ترجع"
تمتلئ عيناه بالقلق " خوفج يضعفني يالزينه ... واللي راحوا وما رجعوا موب احسن مني .."
اقولها بهمس " يمكن آموت .... وربي آموت ... لا تسوي هالشكل.... لا تذبحني بيدك"
يقولها بانكسارمشوبا بالقهر " شتابيني اقول وانا اشوف ديرتي تغرق والفساد قاعد ياكل فيها واحنا قاعدين نقول سنة وشيعة "
وانا ارجوه " قولي انك بعيد عنهم .... عط قلبي امانه ... نخيتك .... لا تعذبني ....خلك مني ... امك ... اهلك ... لا تحرق قلبهم عليك "
يخفض عينه بانهزام ..يتنهد " يالزينه ( يصمت قليلا... تنتقل عيناه فوق ملامحي ) .... تطمني ... تطمني"

شعور غريب بالخواء قد تملكني بعد حديثي مع بدر .... خواء مؤلم ...
كيف لي ان اعيش في بلد لا اعلم بكل ما يحدث خلف كواليسه .. كيف عميت عيني عن رؤية ما يرونه هم كحقيقة واضحة كعين الشمس واراه انا امرا مفتعلا لم يكن موجودا اصلا

هل كان لمكانة عائلتي في المجتمع الدخل الكبير في ابتعادي عن ما اراه الآن .... هل كان لموالاتهم للسلطه الحاكمه  وعمل بعضهم بمراكز على اتصال مباشر مع الحكومه الدور في عدم معرفتي لما يدور بالجانب الآخر من البحرين ... واختباء الحقيقة خلف رغد العيش .... فما كنت اسمعه بالبيت العود شيء وما كنت اسمعه من بدر شيء آخر....

عندما اتصفح جرائد الصباح ... ويداهمني شعور بالصدمه .... هل تلك هي البحرين التي عرفت ... وعشقت ... ام انها بلد آخر لم اعرفه ابدا ....

نعم .... ماكان يحدث بالبحرين... قد جعلني انتبه لشرخا واضحا بعلاقتنا .... اختلافا كنت اتغاضى عنه ... اغمض عيني كي لا اراه ... انكره .... ولكنه هناك

كان .... وسيظل هناك ...

كان خوفي قد تملك مني كل مداركي .... ولم اكن افهم جيدا ما يحدث حولي ... كل ما اعرفه انني كنت مرتعبه ... واريد الخلاص ... اريد ان ينتهي كل شي .... ان تعود ايامي هادئه رائقة ... يغلب عليها الروتين ... ويكسر ذلك الروتين شوقي ولقاءاتي مع بدر ولكن هيهات .....

كانت كل تلك الأحداث تعصف بالبحرين في سنة ال 94 ... بالنسبة لي كانت سنة تخرج ... ومن هول ما رأيت كم فكرت بالتوقف عن الدراسه .... ولكن بدر كان يثنيني ويطمئنني ان الأزمه سوف تنفرج .... إلى ان جاء ذلك اليوم
احسست منذ صباحه بقلق لم اعرف مصدره ... تعب لا اعرفه حقيقته .... وتوتر شديد تكتسي به جدران الجامعه .... حين توجهت لمحاضرة دكتور مصطفي  .... لم تكن الحركة بالممرات طبيعية ... ولو تكن ملامح من يرتادوها هي من اعرف .... شي يسرق التفاصيل من كل الصور ... لهاث يعرف طريق الخوف .... عيون تهرب من الإلتقاء خوفا من المصارحة وغرقا بالأرتباك ... وخطوات تتسارع كلما اشتد ضباب التوتر ...

هدوء غريب يكتنف قاعات الدراسه .... وصمت له هوة عميقة تبتلع كل الهمسات المهمومة والمركونة بالزوايا المعتمة ....
يدخل د. مصطفي .... يتأمل الوجوه الواجمه بترقب ثم يعلن عن المسيرة السلمية خارج المبني والغاءه للمحاضرة

ولم ادرك ما حدث بعدها ... كل ما اذكره هو دموعي التي سبقت تساؤلاتي... وارتعابي من وضع فوق ادراكي .... فأنا اعلم ان المسيرة لن تكون مجرد مسيره سلمية ... وقد تتبعها تبعات اخرى ...  تسابقت افكاري فشلت حركتي ... وابطأت ردود افعالي  ... خرجت من القاعة وانا تائهة لا اعرف اين وجهتي ... وعلامات استفهام كثيرة تعتلي ملامحي ...

وين اروح .... شاسوي ... آبي اوصل سيارتي بس مو عارفة شلون .... اتلفت على الوجوه ما اعرفها ... انصدم بالجدران وهم ما اعرفها .... تايهة عن نفسي .... وعن المكان اللي انا فيه .... ومليون كلمة يمكن تثقل من حركتي اكثر واكثر ... وكان احتمال ان اطحن تحت اقدام الجموع وارد ... او ان اركن على صدر احد الجدارن وارد ... او ان اجرف مع السيل ايضا ... وارد ..... آبي القى طريجي موب داله ....

واسمع هتافات الطلبه تقترب مني .... وكل ما قربت .... فقدت احساسي بريولي اكثر .... وحسيت ان الأرض قاعدة تلين و تبلعني وانفاسي مع كل دقيقة تصير هشه وضحلة اكثر .... وروحي تفرفر تدور الخلاص .... وخوف ... خوف .... وقلة حيله .... وكل شي صار فوق تحت ... وانا وين بالضبط ... بأي دور ... بأي مبنى ... ومنو هذولا .... وليش يركضون ..... وهالصوت شنو هالصوت .... ليش غطى على احساسي بكل اللي حولي ... ليش مو قادرة اسمع شي ثاني ...  ليش مو قادرة اسمع الا صوت الدم وهو يضخ بعروقي .... اتلفت .... اراقب الويوه .... هم يسمعونه مثلي عشان جذيه خايفين .... انا مرتعبة .... ايه مرتعبة .... وهالرعب شلني .... حتى لساني نسى الكلام .... كل اللي فيني جمد الا دموعي ...

كلي يرتجف حتى يدي باردة مثل الثلج ..... وهذا الشي الوحيد اللي خلاني احس بدفا يده لما مسكني

 وشهقت ..... بدر .....

بلحظة من غير كلام ظهر من بين الجمع .... بعين القلق .... بخوف الحبيب ... بكل الأمان اللي كنت ادوره ... خطف يدي بكل قوة وسحبني من مكاني .... خشني تحت جناحه .... وطار فيني بعيد عن كل اللي راعبني ... حسيت واهو يركض فيني ان الصور تداخلت ببعض .... والأصوات وقفت .... وكل اللي حولي صار الوان من غير تفاصيل ....حزتها فقدت الإحساس بالوقت والمسافات ما ادري شكثر ركض فيني ... ولا حسيت بشدة قربي منه لأول مره بحياتي ... ويدي اللي نامت بيده من غير نية مسبقه .... وبشعور ما اعرف اوصفه لليوم .... تاهت لحظة القرب بين هتافات الطلبة اللي ما كنت قادره اسمعها زين .... وبين دموعي وانا ابجي وخايفه حتى اوصل سيارتي

كل اللي كنت اذكره صور معينه ... صور لما الحين لما احاول اتذكرها اقول شلون صار هذا كله

بدر ... يدي بيده واهو يركض فيني
تدافع الطلبه بالممرات
هتافات واصوات مختلطه
حمد وهو ينتظرنا عند سيارتي
انا وبدر بسيارتي وهو يحاول يهديني
النقاط الأمنية بالشوارع
طريج المنامة ..... وبيتنا
حمد ينزلني من السيارة ... وبدر يتبعني بعيون تنزف الم ... قلق .... خوف علي.... يركب سيارته اللي كان سايقها حمد ويمشي ... انا ادخل البيت مع حمد

وحضن أمي

........


"ماما .... وصلنا البحرين لو بعد "

انظر من نافذة الطائرة ... ارى شواطؤها .... سماؤها ...... وارضها التي فارقتها ولم تفارقني ..... ارضنا يا بدر ....

" ايه ماما وصلنا "
يهمس حمني للمى " ليش بابا ما ييه معانا "
تجاوبه لمى بنضج قد سبق سنها " بابا عنده شغل ... مسافر "

اختنق بعبرتي التي حبستها منذ ان غادرت الطائرة سماء الكويت ..... اختبئ وراء ابتسامتي .... اغمض عيني وكلي شوق

لحضن امي .... من جديد



يتبع

12.6.10

ليه غاب بدري .. الرابع


تغوص قدماي الصغيرتان فوق رمال الشاطئ الرملي وأنا اتبع اطفالي وهم يلعبون هناك ... تتلاحق خطواتهم خلف موج يتكسر بغنج .. وينوح بشجن ... ويحتضر بشوق ....

اجلس ... واحتضن حفنة من التراب بكفي ... اعصرها ... لتقطر من بين اصابعي تفاصيل حاولت ان اخفيها تحت سواد عيناي ... وحدة وسهر وتعب ... وشوق لا يموت ... يتجدد كل يوم مع التفاف شمس الصباح حول ذلك الكون الفسيح الذي ضاق بروحي ... واوصلها لنزع لا ينتهي ... ينادي ليلا دائما يفي بالعهد .. وبدرا لا يكتمل ابدا بعد ان خانت ايامه ذلك الوعد

يقترب طفلي مني
" ماما ... متى بيرجع بابا من السفر "
احتضن وجهه بنظرتي الضائعه ... وبنفس السؤال الذي يكسر بريق اخضرارهما هناك
" جريب ماما ... جريب ... " اقولها بشيء من الضيق
تصرخ لمى ابنتي الصغيره وهي تنادي عبدالرحمن " حمني ... شوف شوف .... ما تقدر المايه تصيدني"
فيهرع لها ليسابقها باصياد اطراف الموج بفرح طفولي ينعش ابتسامتي التى تأبي ان تولد الا بصحبة اطفالي ....

ويعيدني ذلك الصوت إلى هناك ... وطني الذي اشتاقه كل يوم لأنك تسكنه ... إلى البحرين ... واتذكر جسر الشيخ خليفه ... وصوت امواج قد اجبرت لتتكسر تحت اقدامه ... واهمس كعادتي عندما احادثك وانت البعيد " تذكر يا بدر ... تذكر جسر الشيخ خليفه " ...

.......

" انا باقولك سر"
يبتسم بهدوءه المعتاد .. يقترب مني وهو يصطنع الإهتمام
فأضحك كطفلة قد استساغت اللهو معه
" بدر ... ترى من صجي اتكلم ما امزح "
" جيف ... ومن قال انج تمزحين "
" انت ... قاعد تضحكني ... وآنه بتكلم جد"
" حقاَاااا ... وآنه بعد بسمع جد .... يالله عاد قولاي"
" طيب ... صبر شوية خل استجمع شجاعتي ... الموضوع شويه ... احم .... صعب"
يكتف يديه ... ويجلس وهو ينظر لي بشيء من التوتر
" آنه بقول يعني ... باجر لو يعني ... لو الله كتب لنا نصيب .... همممم .... آنه ... ( انكس عيناي للأرض بكل الخجل... ابتلع ما تناثر من حيائي ... واهمس ) آنه ما اقدر اعيش بعيد عن أمي ... أقصد يعني ... انت بيتكم بالمحرق ... وآنه بيتنا بالمنامه ... مو جنه بعيد شويه عن بيت امي .... ( انظر لعيناه ... احاول البحث عن ردة فعله ) المشوار ياخذ له نص ساعه بالأحوال العادية ... وبالزحمه ساعة واكثر ... وايد .. مو!!"
يتراجع للخلف بجلسته ... يبتسم " ايه وايد ... آنه كل يوم اعاني من هالمشوار .... تدرين من المحرق لما الصخير شقد احتاج عشان اوصل ... ساعة وزياده ... ( تمتليء عيناه بذلك المزح الذي اعشق ) بس ما عليج ... آنه باحل لج الموضوع ... وباطلب من الحكومة تبني لنا جسر يختصر المسافه بين المنامه والمحرق ويخفف الزحمة شوية ... وهاللون الطريج ما راح ياخذ منج اكثر من عشر دقايق بالكثير.... شرايج فيني"

تتسع عيناي بكل الدهشه احاول ان اصدق ما يقول ... وانا اعلم ان بدر لا يمزح كثيرا ... هو انسان جاد بطبعه... ومزحه الآن قد وضعني بمنتصف المسافه ... بين فرحة التصديق .... وشقاوة المزح والتكذيب
" الحين آنه اقول لك اتكلم جد ... ترد علي بمزح هاللون " اغضب وابدء بحمل كتبي
يقهقه ملئ اشداقه " تعالي ... وين رايحه"
اقولها بغضب " بروح بيتنا"
تلين لهجته ... ويختبئ بين طيات صوته حنان لم اعرفه الا منه " ترى ما كنت امزج ... والله ... صج راح يبنون جسر يوصل بين المحرق والمنامه ... "
التفت اليه بعين قد اتسعت دهشة وفرح
" صج!!"
" ايه صج ... وبعدين تعالي .... انتي من الحين شاغلة نفسج بتفاصيل بعيده ... ريحي راسج يالزينه ... الأمور بكره بتتسهل ..."

يبتسم برضا ... وابتسم بخجل
.............


" ماما .... ماما "
وهي تهز ذراعي لتنتشلني من افكاري
ارفع عيناي للمى وقد ابتلت اطراف ملابسها بالماء ...... واسرح بملامحها ... هي تشبه اباها كثيرا ... اخذت لونه ... والكثير من ملامحه ... رغم اخضرار عيناها الذي يشبهني كثيرا ....

"آنا يوعانه "
ابتلع حديثي مع نفسي لأسألها " نرجع البيت... "
تهز رأسها ايجابا وقد زمت شفاهها بطريقه تنم عن الرجاء" باجر بتودينا بروي"
اهز رأسي لها ايجابا فتثب فرحا وتنادي حمني
اجمع اشلاء نفسي وما امتزج من روحي مع رمال قد خلفتها مهجورة .. وحيدة هناك وانا متجهه لسيارتي مع اطفالي


كنت اخاف من المسافة بين المحرق والمنامه ان تبعدني عن امي ... ولكني بالنهاية اخترت ان ابتعد عنها بآلاف الأميال ... اخترت ان ارحل عن شوارع المنامه ... اخترت اني ابتعد عن دواعيس المحرق الضيقه ... اخترت ابتعد عن لون الخضار بلوز البحرين ... وصوت النخل لين دار الهوى وهمس للسعف بالشوق والحب لأرض دايما تمد وتسقي اهلها بماي اللقاح .. وروح المرقدوش ... والحلوى البحرينية ويمها القدوع والقهوة بريحة الهيل ... والطيب وريحة البخور ... وثوب النشل ... وحنة امي شريفه ... وعين عذاري ... وصوت الجميري .... وبالزينة ذكريني ليه غيبتني بحور ....

اخترت ابتعد بعد ما ضاجت فيني الأرض ... وابتعدت عن كل الخلق ... وكانت فرصة زواجي من خالد هي الحل الوحيد اللي لقيته عشان اتغلب على كل الألم ... والدوا اللي اخترته عشان اداوي فيه جرح الفراق

وفارقت ديرتي ....
فارقت البحرين .. مشيت وتركت وراي قصه سكنتني مثل ما سكنت احداثها كل مكان جمعني معاه

مستعدة اتولد لك من جديد
وابأة وحدة تانية غيري مستعدة

كنت مستعده انسى العالم اللي حولي ... انسى فروقاتنا الإجتماعية والمذهبية ... انسى ان بدر من بيئة ترفض وحده من مذهبي وانسى ان اهلي كلهم بيوقفون بويهي وبقولون لي لاء مو هذا اللي تاخذينه ... مو احنا اللي نعطي بناتنا لناس ما يناسبونا من جميع النواحي .. كنت برخص برضاهم .. ولكن ...

خلونا نكمل شنو صار

...


تميت انا وبدر نتلاقى بصدف نختلقها .. نتعمدها ... ونتنفس هواها
الى ان ييه اليوم اللي تجرأ ... وبلش يسولف معاي ... وصار اللقاء العابر ... كلش مو عابر ....صار شي حتمي ... نخطط له ... وننتظره ... مابين مواقف السيارات ... وممرات الكلية ... والمكتبه .... والكافتيريا كانت تطول السوالف المختصرة ... وتصير قصص تحكي تفاصيل يومنا ... دراستنا ... واحيانا مشاعرنا .. وله متواري ورى عيوني ... وشوق مكشوف بين كلامه ... وصارت امانينا وحده

بدر كان انسان مختلف بشكل ملفت... على الأقل بالنسبة لي ...
كان جاد بكل شي ... هدفه واضح جدام عيونه ... عارف اهو شنو يبي ... واي درب يوصله للي يبيه

كان وسيم بشكل ملفت ... ومتحدث بشكل ممتع ... جنتل بشكل يخليني دايما اقارن بينه وبين باجي الشباب ... ويخاف علي وايد بطريقة كانت ساعات تضحكني ... لأني ما تعودت احد يخاف علي كثر امي ... بس خوف بدر كان شي ثاني

في البداية كنت بيني وبين نفسي محددة طبيعة العلاقة ... وعارفه ان اللي بينا ماراح يتطور ... آدري اني كنت منشده له بشكل مو طبيعي  ... بس ما فكرت ان الموضوع راح يتطور بهالشكل ...ولا مر على بالي اللي ممكن يحصل

واللي حصل كان شرارة لقت لها جذوة اشتعلت فيها وما انطفت ابد ... وكان قلبي يجدد هالشرارة بكل مره يغيب بدر عن عيوني واشوفه عقبها .. كان كل شي يداهمني ... وبقوة اكبر من مقاومتي  ... شعور جارف ... ما املك الا اني آسبح مع تياره .. وآنسى كل حدودي ... وتحفظاتي

لما كان يلتقيني بعد يوم طويل ... ينتظرني بمكان تعودناه مثل ما تعود اهو علينا ... ينتظرني عشان نتشارك جوع اللحظه ... وسندويشه اهو شاريها لي ... وعصير كنت آحبه ... وكيكة صغيرونه امه مسويتها له وما كانت تدري ان هالكيكه اللي تحمل كل عبق الهيل والزعفران بتكون من نصيب مزيان ... اذكر اول مره عطاني هالكيكه عجبني وايد طعمها رفعت عيني وسألته

" الله بدر ... شنو ذي الكيكه ومنو مسويها ... شقد طيبة"
ابتسم وهو يقاوم ضحكته " الحين انتي ما تعرفين شنو ذي ... وتسمينها كيكه"
" ليش انا قلت شي غلط ... ذي مو كيكه"
ولم يتمالك ضحكته هذه المرة" ذي يسمونها قرص عقيلي يالزينه ... ما اكلتي مثلها من قبل"
اعتراني الخجل " وين يعني باكلها ... انت تدري ان امي ما تعرف تسوي هاللون كيك"
نظر لعيني بطريقه حبست انفاسي " خلاص ... من يوم ورايح آنا باييبلج منها"

اذكر ان في بداية علاقتي معاه كانت كلماتي كلها بالنسبه له غريبه ومهجنه وكان دايما يضحك علي ويقول لي
"لا يسمعونج الناس ويفكرونج مجنسه ومنتي من اهل الديرة ... تحجي عدل يابنية "

وكان يعلمني شلون تكون مخارج حروفي وكلماتي بحرينية ... يعني بدر كان المصحح اللغوي اللي يتابع لهجتي ويعدل فيها ... واكتشفت مع الوقت ان بدر صحح اشياء كثيرة بحياتي ... مو بس لهجتي

كان يداريني ويحتويني مثل طفله تييه بعد تعب يومها الطويل ... يشبع جوعها .. ويروي عطشها .. ويهديها الفرح على طبق من انتظار لباجر ... عشان يتكرر اللقاء
وكان لما يغيب وما يداوم احس اني ضايعه ... بين هاجس تعبه ... وتعب قلبي من غيابه ...

ايامها ماكان عندنا شي اسمه موبايل ... كنت انتظر رجعتي للبيت ... اسحب التليفون لغرفتي .. واكلمه ... ما كنت ابتدي مكالمتي بالطريقة اللي تعودوها الناس
كانت اول كلمه اقولها هي" وينك"
وكان جوابه دايما واحد " كاني ... موجود .. حواليج ..ساكن كل شي فيج يالزينه ... انشغلتي علي "
وكنت اتصنع عدم القلق واختلق اسبابا اخرى
" لاء ... بس كنت احاتي المحاضرات اللي طافوك"

............



ما اذكر اللحظه اللي قالها لي ... ما اذكر الكلمه شلون كانت ... كل اللي اذكره ان احنا اكيد التقينا عشان نحب بعض ... نكون لبعض ..ونخطط لحياتنا مع بعض

دراسات عليا ... عيال بعددهم واساميهم .... وبيت راح ينبني بمكان ما يبعدني عن امي ...
وجسر انبنى عشان يقرب الدروب بعد ما تلاحمت الأرواح وذابت القلوب ببعض
جسر يحضر معاي صكات الدهر .... وقصة ما انكتب لها عمر ...
كنت كل ما تضايقت امر عليه ... آنزل واتمشى حواليه ... اسمع سوالف البحر ... ويسمع اهو سوالفي عن بدر

ومشت ايامنا فينا بدروب يغزلها الفرح فوق ملامحنا .... نرتب جدوالنا مع بعض ... ونحرص ان يكون في ساعات فراغ بالنص عشان نلتقي فيها ... حتى الكورسات الصيفية كنا ناخذها يميع ... ولو كان تخصصي مثل تخصصه ... اتصور كنت باخذ محاضراتي معاه .... وعدت السنين ...

الا ان بلشت فتنة الطائفية بالبحرين ... واشتعلت الأحداث بشكل مخيف ... يحمل الكثير من العنف ... والمشاهد اللي ما اعتدنا نشوفها عندنا  ... تفجيرات ... وقتل ... واعتقالات


 

وهذي سالفه ثانية ... بنكلمها بالجزء الياي



يتبع





















8.6.10

شنو اكتب؟؟


هل للصمت زحام ...

عندما تتدافع المسافات الفارغة من الحديث بين وبينك وتصبح كلمة " ليش ساكت" حتمية
تصبح مطالبتي بحقوق الملكية لتلك المساحه متسلطه تقهر بداخلك الحديث فتقف مترقبا تساقط حروفي بين يديك حتى تجمعهم بجملة " قاعد اسمعج"





تسلل الفراغ بين خيوط الشوق ... ورغبة اللقاء
جعلني افكر بتغيير كل ملامحي باحثة عن شغف متواري خلف انشغالك بكل التفاصيل البعيده عني

فهل يروقك اللون الأزق !!

 


هل عشق شهريار شهرزاد
ام أدمن قصصها والنهايات التي لا تأتي
وصياح ديك يلح عليه بسحب ستارالفجر بعد ان جرفه سيل العتمه وسحر الكلمة
وان لم تكن شهرزاد ذات حبكه قصصية تقطر شغفا
ونهايات مبهمة تحتاج تفسيرا وتفصيلا معرفا
هل كان بقاءها سيكون حتما
ام موتها بيد السياف بأول ليلة .... فرضا
يا ترى ما الذي حدث بعد الف ليلة وليلة !!



اتعلم

جمعت كل قصص الغرام من على ارفف الشغف
عرضتها للبيع تحت اسعارا مخفضه
ولم يشتريها الا التائهات خلف اسطورة تدعى الحب
نفضوا الغبار عنها ...
وارتشفوا احرفها مع فنجان قهوة يحتاج الكثير من السكر
ويتبع بمسكن لصداع لا يهدأ



عندما تساءلت عن حقيقة ما اكتب
وجدت الجواب معتصرا كل ارشيفي
.....
وادركت انني تعبت من كتابتهم
وارغب بكتابتي أنا ....
هي سياسة جديدة ... تتبع ديمقراطية جنوني وتمردي
فهل استجوب من قبل تيارات رفضك للبوح
ويطالبني تعقلك اللامتناهي بالرحيل !!





بيني وبينها على الهامش

فيني كلام وايد بس موقادرة اكتب
هممم ... كتبي سوالف
سوالف !! هممم ... مادري
كملي القصه
مو قادرة ... احس في سد كبير بيني وبين تفاصليها ... ناطرته يتعب ... وقطرة ورى قطرة الاقي السيل اخذني وكتبت وكملتها
اوكي عيل كتبي حب
مافيني ... تدرين كل ما ييت اكتب حب احس اني يوعانه ... تهقين هذي حيلة عقلية لضغط مشاعر تعسفيه تكتسحني بشكل قهري
@@  وسواس قهري!!
ويهج..
شفيه حلو ... مووو !!  ... وبعدين ترى الكتابة مو واجب ... ولا اهي صف حجي ... كتبي اللي تحسينه
واذا ما حسيت
الله يعينج
.......
"صخه"

انزين شنو اكتب!!

.......


1.6.10

مالقيت عنوان @@



دخيل الله .....

رحمي حاله وطاوليه قلاص مااااااء
يخرب بيت هيك تنمية ذاتية وعلاقات زوجية

........

بس بس بسكت واترك لكم التعليق