.

تحذير : هذه المدونة تخضع لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية ونحذر من نشر أو نقل أي نص أو مقال للكاتبة.. دون نسبه للمؤلفة.. في أي وسيلة

29.4.12

من حديث مرجانة والسندباد .. الأول



بحر تتكسر امواجه على شاطئ رملي مترامي الأطراف .. ممتد بامتداد بالبصر بمبان متراصة يزاحم بعضها الآخر .

شمس تغرس حرارتها فوق كل التفاصيل متغلغلة بسطوتها ، متمردة على كل المساحات الزرقاء ، مكتسحه لكل الزوايا المعتمة ، ومشرقه بكل تعنت وغرور.

احساس بالحرارة يقرص كل تفاصيل جسده الممتد على ذلك الشاطئ ، ورغم مداعبة الموج لأطراف قدمهالا ان احساسه بالتهاب ما انكشف من ظهره يجعله يتملل في اغماءته ، يبتلع ريقه فيطغي سلطان الملح على مذاقه ، يمتعض ويحس بألم يصل الى اذنية .

هو العطش يكتسح كل ما يستشعره في تلك اللحظة .

يحاول ان يحرك اطرافه فتمني محاولاته بالفشل وكأن جوانبه تأبى ان تستجيب لرغباته ... يحاول ان يتحرك ... فيصرخ جسده من حده الم التيبس الذي طغى على كل عضلة تلتف حول عظامه ...

يتأوه ... يحاول ان يتكور .... يفتح عينيه ... ويغمضها مسرعا وهو يحجبها تراجعا امام سطوة ضوء الشمس.

يتنفس بعمق وكأنه يستجمع قواه... يعود ثانية لفتحهما ولكن هذه المرة بحذر ... يغمر بصره الضوء الصارخ ببياض وحدَه ... ثم ينسكب الأصفر بتؤدة ... ليهدأ اللون البرتقالي المتحول إلى ترابي بتراخي ... وتبدأ التفاصيل بالتسلل لملامح الصورة بهدوء ....

يرمش ... يكور اصابع يديه ... فتحمل اصابعه معها حفنة من التراب .... يسحب كفه بحذر ... يقربه من وجهه ... يفرك عينيه ... ويبعد ما تمرد من شعره حول وجهه ...

يرمش بإصرار محاولا اقتناص ملامح الصورة بتعب ... يحاول ان يجمع تفاصيل ما يراه امامه ... ويترجمه الى ملامح قد تكون مفهومه لمستوى ادراكه لكل ما حوله في تلك اللحظة .

هي قدم صغيره ... تكتسيها الرمال تحت وطأة ثقلها ... ولكن ... هل هي قدم آدمية !!

يفكر قليلا ... ويحاور ما تناثر من افكاره ... ويكتسحه السؤال الذي قد غاب قبل لحظه ... وحضر بإصرار الآن.

أين أنا؟؟ فيفتح عيناه بقوة للبحث عن جواب قد يكون مصيري بالنسبة له ليرى نفس القدم امامه .. .. حنطية صغيرة .. بأظافر ملونه ... بلون لم يعهده .... فهو يعرف لون الحناء جيدا ... وذلك اللون لا يشبه اي حناء أبدا

لابد انني احلم ... ولكن عطشي حقيقي جدا و بعيدا عن كل الأحلام ...

يفكر قليلا وهو يغمض عينيه حتى يبتلع فكرة لم ترق له ... او ربما راقت

او اكون قد مت ... وتلك هي الجنة ... يبتسم ... هل انا فعلا بالجنة !!

يفتح عينيه بكل اتساع ... ليتأكد من التفاصيل التي حوله ...

شمس حارقه ... هواء حار .... رمال قاسيه ... بحر مالح ..... وعطش يكتسح كل مشاعره ...

يسعل قليلا .... فيسمع صوتا يأتيه من بعيد

" اشوه ... حي مو ميت "

يندهش ... ويستغرب قليلا ... ولغة غريبه!! يا الهي لابد انها الجنة

يرفع ناظريه ... ليصطدم بفتاة ... لا تغطي من جسدها الا القليل ...بقد مياس نحيل ... وبشرة قمحية تشبه خمرا قد تذوقه من قبل ... وامتنع عن احتساءه خوفا من عقاب يأباه .... مكتنزة الشفاه .. وذات انف عربي اصيل ... تخبئ عيناها خلف ... يا للهول ... ما هذا ... اكل ذلك السواد عيون !! انها والله الحور العين ... تتسارع عيناه لجمع كل التفاصيل مرة اخرى ...



" تسمعني .... رد علي ... ياربي شهالقدرة" .... تتلفت ..

وتلك اللغة ... اهي لغة اهل الجنة ...

تركع الفتاة امامه ... تضع يدها على كتفه .. تهزه .... فيشعر بألم يمزقه تحت موطئ يديها ... يصرخ

" وااااي .... شفيك .... انت غرقان!! ... محترق من الشمس!!.... كلمني بلييييز"

يبتلع ريقه بصعوبة ويهمس " ماء ... قليلا من الماء"

تقف ... تنظر اليه بشيء من الشك ... " ماء!! ... تستعبط حضرتك؟؟"

يالتلك اللغة الغريبه ... أمن المفروض ان تكون الحور بتلك اللغة وتلك الملامح ... والرداء الغريب ... اوليس من المفروض ان تقوم هي على خدمتي لأنها خلقت لذلك ... واليس من المفروض ان تكون جميله بشكل ملفت ... رقيقه كالهواء ... عذبة كالماء ... مياسة كسديم السماء

ويستدرك ..

"ماء ... اني اموت عطشا!! "

تنظر اليه بنفس الشك ... تتردد قليلا ... ترفع رأسها ... تلتفت ذات اليمين وذات الشمال باحثة عن العون ... ثم تعود للنظر اليه بعين مملوءة بالقلق ... والتفكير

" انت مو كويتي !! ... همم اقصد ... ( تفكر قليلا) والله مادري شخربط .... ( وتسأل ) تبي ماي ؟ ... I mean ... اتريد قليلا من الماء؟"

يبتسم باستبشار ويهز رأسه للتأكيد " نعم ... نعم ... اوتتحدثين لغة اهل الدنيا"

تتسع حدقتاها " اهل الدنيا!!" ( شيخربط هذا ... شهالبلوة ياربي .. تبادره ) نعم نعم .. آنا اتحدث لغتكم .. اقصد اللغة العربية الفصحى " ثم تضحك بشيء من التفكه

" تالله هي الجنة قد رسمت على محياك ... رغم تلك العينين الواسعة السواد والغريبة المنظر"

تندهش " اي عين ؟؟" تضع يداها على عينيها فتصطدم بالنظارة الشمسية فتضحك " ويييه تقصد نظارتي الشمسية" وتخلعها

فيشهق .... " اقسم بالله ان للجنة امور لم تخطر على بال ... فحورها يخفرون عيونهم وراءغطاء لامع اسود اللون ...رغم عري اجسادهم "

تنتبه هي لكلمة عري ... تتفحص نفسها ... فهي ترتدي شورت قصير ازرق اللون ... وبلوزة بدون اكمام ترسم قدها النحيل بكل رشاقة " هاااو .. عري !! اي عري تقصد ؟ ( تصمت قليلا ثم تبادره وهي مادة يداها له ) قوم قوم ... شكلك حايشتك ضربة شمس وقاعد تهلوس"

" حلفتك بالله ان تخاطبيني بلغة مفهومه ... دعي عنك لغة الحور ... "

" اي حور؟؟ انت اكيد مو صاحي .... ( ثم تستدرك وهي تحدثه بلهجة ساخرة) امكثت بالشمس طويلا يا صاح ... فلقت ابتلتك لوثة الحرارة ... وضربتك الشمس شر ضربه ..."

يبادرها " اوللشمس ضربات بالجنة ... عجب العجاب ... قيل لي من وصوفها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ... ولكن ان تكون للشمس ضربات !!

يصمت قليلا ويفكر ... بكل تلك الحرارة ... والعطش القاتل ... والألم الذي يكتسح كل جزء من جسدي .. وحكاية ضربات الشمس ... يا الهى ....اوتكون تلك هي ... جهنم؟؟ )يمسك بقدمها برجاء واصرار يجعلها تجفل وتصرخ مرتعبة

ويهمس " اهي جهنم!!"

تصرخ به وهي تركله للتخلص من يديه

"جهنم اللي تاكلك ... عمى بعينك ... شيل ايديك يعلك الضربة"

فيبدأ بالاستنجاد والرجاء وهو يرتعش " الهي ... رحمتك مما انا فيه ... فان كنت قد اخطأت فاغفر لي ... وان كنت قد ضللت فارحمني ... وان كنت قد قصرت فكن بي عطوفا ... "

تجفل منه "امبيييه ... هذا شفيه ... اقول اخوي ... اصبر خل اشوف احد يشيلك معاي ... ولا تدري بروح اييب لك ماي وارجع" تحاول ان تبتعد فيمسك بها

" احلفك برب العباد .. اجيبيني ... اهي جهنم ... اسقط ميزان اعمالي ... وهل اوتيت كتابي بشمالي .. اهي البداية البعث... اهناك المزيد من الأهوال"

تتملكها الرأفة مع شكها بقواه العقلية ...."My God هذا شفيه .... اخوي ... اي جهنم صل على النبي ... انت شكلك غرقان وشارب ماي بحر والحرورة مأثرة على مخك "

يبدأ بالانتحاب بشكل يائس " اذن اجيبي بربك .. اين انا ... ومتى توفيت .... وكيف كان يوم الحساب "

تهرب كلماتها ... تقف مدهوشة... تبحث عن شيء تقوله " انت ... انت بالكويت... "

يتوقف عن البكاء ... يرفع عينيه " الكويت؟؟؟؟ "

تهز رأسها ايجابا " نعم ... هنا الكويت ( تبتسم بشيء من الاستخفاف وهي ترفع يديها باتساع مشيرة لكل المشهد المحيط بهم )... ولا اعتقد انك قد مت لأنك تحادثني الآن ... ويوم الحساب علمه عند الله ( امبيه على باله مات وصار يوم القيامة .. هذا مينون رسمي .. بس والله الفصحى ذابحه عمرها عندي .. طلعت ماني هينه:

يحاول الجلوس بصعوبة ... يتلفت حوله بفضول ... " اوتقصدين انني لازلت حيا ارزق ... "

تهز رأسها ايجابا " ترزق .. ترزق"

ينظر اليها بفضول اكبر " وانت انسيه ولست بحورية"

تهزر رأسها ايجابا بشيء من الفكاهه"ايه نعم ... انسية كويتية بس ما عندي مانع اكون حورية "

" تبا "

تتسع عيناها

" تبا !! صج انك ما تستحي ...تبا لك انت"

مستدركا " اعذريني يا صبية ... "

ممتعضه " عذرناك ...( تتفحصه ثم تبادره ) الك اسم يا هذا؟"

يفكر قليلا ثم يهز رأسه ايجابا " سندباد"

" هاااااا .... اقلب ويهك زين"

" عذرا !!"

"والله اني ارى الجنون ينط من عينيك"

" ينط !! ......لست مجنونا يا بنية... اسمي سندباد ... "

" علينااااا! "

يعرك عينيه ليزيل الملح العالق هناك فتبادره " ومن اين بلد انت يا .. احم ... سندباد"

يقولها بدهشه مؤكدا " من بغداد "

تضحك بجنون " دمك خفيف تدري" تتمالك نفسها " وما الذي جاء بسندباد للكويت ... اخاف بس انت من مخلفات الغزو "

يفكر قليلا " لا اذكر ... كل ما اعرفه انني كنت مع طاقم سفينتي نجول البحار ... عائدين من بلاد السند ... متجهين لبغداد ... حين صادفتنا رياح عاتيه ... مزقت اشرعتنا ... وحطمت سفينتنا ... وغرقت بضائعنا .... وتاه البحارة بين عتي الموج ... وتعلقت انا بصندوقي الخشبي ... تعبا من هول ما رأيت ... خائفا من حوت قد يبتلعني ... او سمكة من على وجه الدنيا تقتلعني ... ترتجف اوصالي من شدة البرد والتعب والجوع ... ولا اعلم كم مضيت على تلك الحال ... حتى غمرني الليل بعتمته ... وغبت بالظلام عن وعيي ... الى ان وعيت وانا ملقى هنا على هذا الشاطئ .. والعطش يقتلني ... "

تنظر اليه بخوف وتردد .. هي ترغب بتصديقه .. ولكن حكاية لا تصدق

"مو من صجك ...!! صح ... على بالك انا كمخه "

تقف غاضبه ...ثم تخطو بعيدا عنه

يرفع رأسه ... ويهتف برجاء " الى اين انت ذاهبة ... ارجوك ... لا تتركيني والحيرة تقتلني ... والعطش يمزقني ... "

تقف حيث هي ... تفكر قليلا ... هناك شي من الصدق في نبرته ... وشي من الجنون في تصديقها له ...

تلتف له ... تتمعن به.... تفكر قليلا ... تتردد

ثم تعود ادراجها له



......



تهقون شنو صار بعدين؟؟

 
 
 
 
 
 
 
على الهامش : هذه القصة من قديمي ولم اكملها .. واعتقد حان الوقت لذلك