بداية يوم جديد ... هو الثاني من اغسطس
اتصفح جرائد اليوم ... لا جديد ... كلمات ملاكة ومستهلكة ... اخبار معاده ... ومواقف ممجوجه
زاوية صغيرة بطرف الصفحة الأولي من جريدة ما "الذكرى العشرون للغزو"
العنوان الرئيسي لتلك الصفحه " فتح ملف المزدوجين"
احس بصداع يشبه ذلك الغزو المشهر في الخبر الأول وهذا الغزو المتواري بالخبر الثاني يخترق صدغي ... ويشعل النار بتاريخ اليوم فتتساقط احداث تلك الحقبه من ذاكرتي ... واغرق مع تفاصيل الغياب التي لم تفارقني منذ عشرون عاما
يرن هاتفي ليكون هو على الخط
"صباح الخير "
"صباح الخير حبيبي"
"طلعتي مبجر ما شفتج اليوم"
"مزحومه بالشغل وشكلي ماراح اخلص على آخر اليوم ... "
"اها ... على العموم بغيت اخبرج اني راح اكون مشغول بالعمليات اليوم .. لا تنشغلين اذا ما رديت على التليفون"
تسرح قليلا ثم تجيب على مضض " اوكي"
يقفل الخط مستعجلا ... وتستريح على كرسيها مهملة لكل ما يستعجلها
تفتح محفظتها وتلتقط صورته ... تمسح على ملامحه بطرف اصبعها ... تتنهد وتعود بذاكرتها للوراء ... القاهرة ... سنة 1991
في طريقها لشقتهم الكائنة في المعادي ... هي تستمتع بتلك الرحلات الخلوية والتي تقضيها على الأقدام ... جميلة هي المعادي بهدوئها واشجارها الوارفه ... ولكنا اليوم تصيبها بالوحشه ... تحاول مقاومه احساسها بالعزلة ... وتدندن اغنية قد الفت سماعها منه عندما كان يحلق ذقنه صباحا
"انت ما تمل من هالأغنية .. غير ... بدل"
يبتسم ... " اذا مليت منج ... امل من هالأغنية "
تضحك ممازحه " ترى انت فيك عرج مصري ... تعرف تعجف"
" من عاشر قوما"
اقرصه " يا ويلك من امي ... ترى بعلمها "
يصرخ بحركه تمثيلية " لأ والنبي ... وربنا هتوب"
ابتسم ...
كان يجيد ممازحتي بمصرية امي ... وكان يعشق بي كل ما يتصل بذلك االإنتماء ...
اجلس متعبه من المسير ... وتلتقطني عيناها من بعيد ...
فتاة لم تتجاوز الخامسة عشر من العمر ... بجلابية خضراء مشجرة ... وغطاء للرأس ..احمر مشذب ببعض الخيوط السوداء ترتديه المصريات على رؤوسهم كجزء من ردائهم الشعبي ...
تقترب بعين ذكيه وحس حذر ... تنظر إلي بتعمن ثم تبادرني " ما تجيبي حاجه"
ارفع رأسي بانتباه وتساؤل وانا اعرف جيدا ما تعني " حاجة زي ايه"
تضحك بمزح ملون بذكاء فطري " حاجة للنبي "
اعرف انها تفهمني جيدا " ما عنديش دلوقتي "
تقول بإلحاح وهي تعلم انني احمل بضعا من الجنيهات في جيبي" طب روحي جيبي لي وتعالي "
استغرب جرأتها " انتي بتشغليني يا بت"
تنظر لي بعين تهوي بي إلى مكان لا اعرفه وهي تقترب " طب لو قلت لك حاجه انتي عاوزة تعرفيها ... تديني اللي في جيبك كله ؟"
افكر قليلا ... واتساءل ... ما الذي ممكن ان تقوله لي وارغب بمعرفته بتلك الشده
انظر لها وابادرها بمزح " يعني حتقولي ايه "
تقترب اكثر " وتديني اللي انا عوزاه!"
اقلب الموضوع بيني وبين نفسي واتساءل (شكثر يعني بتاخذ مني .. خل اشوف شعندها ) " طيب .. هديكي اللي انتي عوزاه"
تبحث حولها عن شيء لا اعرفه ... تنحني ... وتلتقط ثلاث حصوات من الشارع ... وتأتي مهروله ..
تجلس عند اقدامي ... تنظر بوسط عيني ... وترمي الثلاث حصوات ... ثم تبادرني
"مين عبدالله ؟"
اتراجع قليلا للخلف ... اندهش ... " بابايا"
"تعبان ... بس هيبقا كويس .... ما تخافيش"
تلتقط الحصوات الثلاث ... تسبر اغوار عيني مرة اخرى .. وتطلق سراحهم ليتناثروا على الأرض
تتنفس بعمق ... يغرق وجهها بحزن اجهل مصدره حينها " مين محمد؟"
اشهق ... اتردد ... ثم اسألها " ماله ؟؟"
تجيب بهدوء غريب" كان بيحبك اوي .... الله يرحمه"
احبس انفاسي ... اختنق بدموعي ... واهمس مرددة لصدى كلماتها " الله يرحمه"
تلتقطهم مره اخرى ... واجدها قد غرست افكارها برأسي وهي تقذف بتلك الحصوات
تتردد قليلا ... تمسك يدي ثم تهمس بي وهي ترتعش مترددة" اكمل يا هانم!!"
اهز رأسي كالمخدرة ... فتسألني " مين خالد؟؟"
فاكتم صرخة قد فلتت اطرافها مني ... انتفض بكل مخاوفي ...ابعثر حصواتها ... اسقط في كفها خمسة جنيهات ... واهرول هاربه
محمد ... كان زوجي الشهيد الذي لم اعرف بوفاته الا بعد تحرير الكويت ... سقطت طائرته الحربية على حدود السعودية ... ولم اجلس بعزاه ... وسقطت عدتي عني بالتقادم ... ولم اعرف الحزن طازجا ... بل جاء لي بعد ان انتهى موسم مرارته ... رحل محمد كما اتى ... بهدوء ... ليترك هوة لا زالت تبتلع ايامي .. رغم زواجي من جديد ...
عبدالله ... هو ابي المكلوم حزنا على ترملي وانا صغيرة بالسن ... وغياب اخي ... بِكره ... وسنده عند الكبر ... اسيرا ...
مسكين هو ابي ... شاخ مبكرا ... في نفس اليوم الذي اتاه خبر اعتقال خالد وهو يوزع المؤونه على البيوت الصامدة بالحي ... ولم اره يبكي حينها ... اليوم هو يبكي بصمت ... كلما اتعبته شيخوخته .. واحس بالكبر يداهم ايامه
خالد هو اخي الأسير... هو الغائب هناك .. والحاضر بيننا دوما .... اسيرا كان ... واسيرا لم يزل ... لم نرى له جثمان ... ولم نستلم له رفات ... وقد تاهت اخباره عنا ..... ولم يجدي البحث عنه بأي نتيجه ...
من استشهد فقد اهدى اهله الفخر وشرف الشهادة ... اما من غاب دون خبر فقد اورثهم الإنتظار ... وحرقة الغياب
نعم ...هربت من الإجابه ... ارعبتني قبل ان اعرفها ... وليتني لم افعل
هل رأت تلك الفتاة الصغيرة مصير خالد ....
وماذا رأت ....
لماذا ارتعشت ألما هي حينها
ولماذا هربت أنا دون ان اعرف؟؟
امي .... لازالت تنتظر عودته ... ترتب غرفته ... تبخر ثيابه .. وتنفض الغبار عن ديوانيته كل جمعه ... رغم ان قلبها يحدثها بخطب آخر
ابي ... لا زال يرفض ان يستسلم لضعفه ... رغم تآلب ايامه عليه ... فلم يعد خالد بعد ...
وانا ... انجبت خالد ... حتى لا يغيب اسمه ...
ولازالت اتساءل ..... أين أخي!!!
.......
فهل ننسى!!
العناوين الرئيسية بالجرائد ...
اللجنة العليا للجنسية سوف تبحث اليوم قضية المريخي
توقعات بايقاف البلاك بيري على خطى الإمارات والسعودية
الأوقاف : لا دعاة ممنوعين من الدخول في رمضان
..........
اترك البقية لكم