سماء البحرين اليوم مختلفة .. ترتدي سواد الدخان .. تضج بزوبعة تقتلع امان البسطاء منا ... ومن يظنون ان امانهم لا يخترق ابدا .. جو خانق متوتر .... مطالب شعبية ... دستور .... حياة برلمانية .... البحرين للبحرينيين ... مسيرات سلمية ... مظاهرات تندد وتنكر وتطالب و ..... تركن للعنف احيانا .... عنف اعمى يخطف تحت اقدامه الأبرياء ... تفجيرات ... ضرب ... قمع ... اعتقالات ... وخوف من شارع لا يعرف الفرق بين من ناهضه ومن والاه ... جموع غفيرة ... رمادية اللون ... مبهمة الملامح ... زائغة الأبصار .... واهازيج تحمل بين طياتها جنائز الفرح ويولد من رحمها تفكك مؤلم ... وطائفية كريهه .. تفوح رائحتها فتخنق حقيقة الخروج إلى الشارع
حريق ... حريق ...حريق ... وآه يا ديرتي
كيف ينقلب عالمك بين يوم وليلة من قمة الأمان ... إلى خوف يعشعش بين ضلوعك ... وسؤال يلازمك في كل لحظه ... ليش!!
كيف تتغير الملامح ... وتنقسم الجموع ... وتظهر حدة المسميات ... ويتصنفون البشر على اساس انتماءاتهم الدينية رغم ان اللي يجمعهم بلد واحد ... واللي بيضمهم بالنهاية تراب هالبلد
كيف اقدر ارفع حجر على جاري لأنه سني وشلون اقدر ارفع سلاح على صاحبي لأنه شيعي ....
شلون صرنا صفين!!
ومن اللي حسب الحسبه وقسم اللقمة بينا وبينهم ... هذا لكم وهذا لنا ....
من اللي حط مقاييس الصح والغلط وقال ان احنا صح واهم غلط او العكس ....
من اللي حكم على انتماءنا لك يا وطن وصنفه على اساس مذاهبنا .....
من اللي سمانا بحريني وبحراني ....
من اللي قال ان طرف له حق اكثر من الطرف الثاني ...
شلون صرنا صفين!!
ومن اللي حسب الحسبه وقسم اللقمة بينا وبينهم ... هذا لكم وهذا لنا ....
من اللي حط مقاييس الصح والغلط وقال ان احنا صح واهم غلط او العكس ....
من اللي حكم على انتماءنا لك يا وطن وصنفه على اساس مذاهبنا .....
من اللي سمانا بحريني وبحراني ....
من اللي قال ان طرف له حق اكثر من الطرف الثاني ...
من منا يحصد اللوز ... ومن منا ياكل الحصا عشان يسد جوعه ...
وبأي رحم انزرع الظلم ... ولما انولد طفل مكسور كان من نصيب من؟؟
شنو اللي قلب كل الموازين فجأة .... وصار صاحبك يتحذر منك لأنك مو من مذهبه ... وصارت العيون تحمل بين نظرها خوف وتقية واحيانا تحدى غريب
وبأي رحم انزرع الظلم ... ولما انولد طفل مكسور كان من نصيب من؟؟
شنو اللي قلب كل الموازين فجأة .... وصار صاحبك يتحذر منك لأنك مو من مذهبه ... وصارت العيون تحمل بين نظرها خوف وتقية واحيانا تحدى غريب
وصارت الملامح تتوارى ورى قناع مبهم الملامح ....
حتى ممرات الكلية صارت منقسمة نصين وروداها يتبادلون نظرات تحمل الكثير من المشاعر المتناقضه واللي معناها متواري خلف حذر مر يباعد بين الخطوات ويفرق الأصحاب ويزرع بذرة للشك بين كل اثنين مختلفين بالإيمانيات ....
وانملت الساحات اللي كانت تجمع الطلاب حول احاديث الدراسه والأمور المختلفه بقوات مكافحة الشغب واحيانا مخابرات وأي تجمعات كانت تفض بشكل اجباري ....
وتوقفت جميع الأنشطة الطلابية والجامعة اصبحت ثكنة عسكرية والتفتيش صار شي معتاد وين ما نروح... والجو يحمل بين طياته تحفز لأي شي ممكن يحصل ... كأن في مارد كان نايم وبلش يصحي بين الصفوف ...
حتى ممرات الكلية صارت منقسمة نصين وروداها يتبادلون نظرات تحمل الكثير من المشاعر المتناقضه واللي معناها متواري خلف حذر مر يباعد بين الخطوات ويفرق الأصحاب ويزرع بذرة للشك بين كل اثنين مختلفين بالإيمانيات ....
وانملت الساحات اللي كانت تجمع الطلاب حول احاديث الدراسه والأمور المختلفه بقوات مكافحة الشغب واحيانا مخابرات وأي تجمعات كانت تفض بشكل اجباري ....
وتوقفت جميع الأنشطة الطلابية والجامعة اصبحت ثكنة عسكرية والتفتيش صار شي معتاد وين ما نروح... والجو يحمل بين طياته تحفز لأي شي ممكن يحصل ... كأن في مارد كان نايم وبلش يصحي بين الصفوف ...
العسكر نزلوا الشوارع ... وقوات مكافحة الشغب صارت تجول بكل مكان .... والجيش في حالة استنفار .... حتى السكيك والساحات الترابية اللي كانت تجمع الأطفال فضت .... وعرف الطفل يومها ان وقع تحت تصنيف يديد عليه .... وانا اهو مو من جماعة صاحبة
وآنا وبدر كنا من ضمن المصنفين .......
" بدر ... انت شتقول!!"
" انتي مغمضة عيونج يالزينه ... ومو راضية تشوفين اللي حولج"
" الكلام هذا مو صحيح وعمري ما شفته حولي .... ولا سمعت فيه"
"لأنج بعيده عنه ... طول عمرج عايشه ضمن بوتقة الناس اللي لها كل شي .... ما عرفتي الجوع ... ما عرفتي القمع ... وما عرفتي الحاجة ... ولا عرفتي القهر لأنج حتى بأعلى الشهادات ما راح تقدرين تشتغلين عشان تضمنين اللقمة لج ولأهلج "
" يعني انت تبي تقول لي انك انت عرفته؟"
"يالزينه ... اللي قاعد يصير بالديرة مو آنا ولا انتي ... الموضوع اكبر من تصورج"
"اسكت ... اسكت .... مابي اسمع .... انا ربيت في بيت يحترم السلطه ... ويحب ديرته .... والقانون عنده فوق كل اعتبار... وعمري ما حسيت ان لي حق وما اخذته .....ولا حسيت ان ديرتي قصرت معاي"
يقاطعها" انتي مغمضه ....وتبين تكملين مغمضه يالزينه ...."
"تصنيفاتكم هذي ما اعرفها ... ما افهم لها"
"يالزينه التصنيفات هذي مو احنا اللي حطيناها ... هم اللي اخلقوها عشان تكون وسيله تفكك الشارع البحريني .... وتضعف قضيتنا .... وتنهي مطالبنا بنهاية اهم اختاروها .... "
تقاطعه بغضب" اسكت ... لا احد يسمعك .... بدر ... لا يكون انت منهم!!!"
" منهم!!"
"ايه آقصد المعارضه؟"
"اذا تقصدين بمنهم والمعارضة الشيعة فخليني اقول لج ان المعارضه فيها منكم بعد يالشيخه ... مو بس منا"
" يعني شنو!!"
"يعني معارضتنا بحرينية .... لاسنية ولا شيعية .... تطالب بدستور يحمي حقوقنا .... وبرلمان يتكلم بصوتنا .... وبحرين ما فيها تجنيس لناس موب من اهلها"
"تبي تقول لي ان اللي قاعدين ينزلون الشارع ويكسرون ويفجرون ويحرقون مو شيعة بس!!"
"لاء .... اللي قاعدين ينزلون سنة وشيعة ... واللي قاعدين يعتقلون انتي عارفتهم زين من اي توجه ... السالفة فيها انتقائية لأغراض مشبوهه ومعروفه ... وضرب الصف الواحد منها وزرع فتنة الطائفية في كل بيت وكل فريج وبين البحرينيين كلهم ... يبون يشغلونا في بعض ويضروبنا في بعض عشان نلتهي عنهم وننسى ان لنا حق نقول لاء "
"اسكت ... اسكت ....مابي اسمع سياسه .... مابي .... بحياتي كلها ما حبيتها ولا فهمتها ... اللي يهمني بالموضوع انت .... قول لي انت .... معاهم"
"انا مع البحرين ... والبحرين تبي ناسها"
" لاء .. لاء ... لاء .... لا تنحاش من الجواب ..... لا تكسر قلبي ... لا تزرع الخوف فيه .... ما بي اصبح الصبح ما الاقيك .... وتروح وما ترجع"
تمتلئ عيناه بالقلق " خوفج يضعفني يالزينه ... واللي راحوا وما رجعوا موب احسن مني .."
اقولها بهمس " يمكن آموت .... وربي آموت ... لا تسوي هالشكل.... لا تذبحني بيدك"
يقولها بانكسارمشوبا بالقهر " شتابيني اقول وانا اشوف ديرتي تغرق والفساد قاعد ياكل فيها واحنا قاعدين نقول سنة وشيعة "
وانا ارجوه " قولي انك بعيد عنهم .... عط قلبي امانه ... نخيتك .... لا تعذبني ....خلك مني ... امك ... اهلك ... لا تحرق قلبهم عليك "
يخفض عينه بانهزام ..يتنهد " يالزينه ( يصمت قليلا... تنتقل عيناه فوق ملامحي ) .... تطمني ... تطمني"
شعور غريب بالخواء قد تملكني بعد حديثي مع بدر .... خواء مؤلم ...
كيف لي ان اعيش في بلد لا اعلم بكل ما يحدث خلف كواليسه .. كيف عميت عيني عن رؤية ما يرونه هم كحقيقة واضحة كعين الشمس واراه انا امرا مفتعلا لم يكن موجودا اصلا
هل كان لمكانة عائلتي في المجتمع الدخل الكبير في ابتعادي عن ما اراه الآن .... هل كان لموالاتهم للسلطه الحاكمه وعمل بعضهم بمراكز على اتصال مباشر مع الحكومه الدور في عدم معرفتي لما يدور بالجانب الآخر من البحرين ... واختباء الحقيقة خلف رغد العيش .... فما كنت اسمعه بالبيت العود شيء وما كنت اسمعه من بدر شيء آخر....
عندما اتصفح جرائد الصباح ... ويداهمني شعور بالصدمه .... هل تلك هي البحرين التي عرفت ... وعشقت ... ام انها بلد آخر لم اعرفه ابدا ....
نعم .... ماكان يحدث بالبحرين... قد جعلني انتبه لشرخا واضحا بعلاقتنا .... اختلافا كنت اتغاضى عنه ... اغمض عيني كي لا اراه ... انكره .... ولكنه هناك
كان .... وسيظل هناك ...
كان خوفي قد تملك مني كل مداركي .... ولم اكن افهم جيدا ما يحدث حولي ... كل ما اعرفه انني كنت مرتعبه ... واريد الخلاص ... اريد ان ينتهي كل شي .... ان تعود ايامي هادئه رائقة ... يغلب عليها الروتين ... ويكسر ذلك الروتين شوقي ولقاءاتي مع بدر ولكن هيهات .....
كانت كل تلك الأحداث تعصف بالبحرين في سنة ال 94 ... بالنسبة لي كانت سنة تخرج ... ومن هول ما رأيت كم فكرت بالتوقف عن الدراسه .... ولكن بدر كان يثنيني ويطمئنني ان الأزمه سوف تنفرج .... إلى ان جاء ذلك اليوم
احسست منذ صباحه بقلق لم اعرف مصدره ... تعب لا اعرفه حقيقته .... وتوتر شديد تكتسي به جدران الجامعه .... حين توجهت لمحاضرة دكتور مصطفي .... لم تكن الحركة بالممرات طبيعية ... ولو تكن ملامح من يرتادوها هي من اعرف .... شي يسرق التفاصيل من كل الصور ... لهاث يعرف طريق الخوف .... عيون تهرب من الإلتقاء خوفا من المصارحة وغرقا بالأرتباك ... وخطوات تتسارع كلما اشتد ضباب التوتر ...
هدوء غريب يكتنف قاعات الدراسه .... وصمت له هوة عميقة تبتلع كل الهمسات المهمومة والمركونة بالزوايا المعتمة ....
يدخل د. مصطفي .... يتأمل الوجوه الواجمه بترقب ثم يعلن عن المسيرة السلمية خارج المبني والغاءه للمحاضرة
ولم ادرك ما حدث بعدها ... كل ما اذكره هو دموعي التي سبقت تساؤلاتي... وارتعابي من وضع فوق ادراكي .... فأنا اعلم ان المسيرة لن تكون مجرد مسيره سلمية ... وقد تتبعها تبعات اخرى ... تسابقت افكاري فشلت حركتي ... وابطأت ردود افعالي ... خرجت من القاعة وانا تائهة لا اعرف اين وجهتي ... وعلامات استفهام كثيرة تعتلي ملامحي ...
وين اروح .... شاسوي ... آبي اوصل سيارتي بس مو عارفة شلون .... اتلفت على الوجوه ما اعرفها ... انصدم بالجدران وهم ما اعرفها .... تايهة عن نفسي .... وعن المكان اللي انا فيه .... ومليون كلمة يمكن تثقل من حركتي اكثر واكثر ... وكان احتمال ان اطحن تحت اقدام الجموع وارد ... او ان اركن على صدر احد الجدارن وارد ... او ان اجرف مع السيل ايضا ... وارد ..... آبي القى طريجي موب داله ....
واسمع هتافات الطلبه تقترب مني .... وكل ما قربت .... فقدت احساسي بريولي اكثر .... وحسيت ان الأرض قاعدة تلين و تبلعني وانفاسي مع كل دقيقة تصير هشه وضحلة اكثر .... وروحي تفرفر تدور الخلاص .... وخوف ... خوف .... وقلة حيله .... وكل شي صار فوق تحت ... وانا وين بالضبط ... بأي دور ... بأي مبنى ... ومنو هذولا .... وليش يركضون ..... وهالصوت شنو هالصوت .... ليش غطى على احساسي بكل اللي حولي ... ليش مو قادرة اسمع شي ثاني ... ليش مو قادرة اسمع الا صوت الدم وهو يضخ بعروقي .... اتلفت .... اراقب الويوه .... هم يسمعونه مثلي عشان جذيه خايفين .... انا مرتعبة .... ايه مرتعبة .... وهالرعب شلني .... حتى لساني نسى الكلام .... كل اللي فيني جمد الا دموعي ...
كلي يرتجف حتى يدي باردة مثل الثلج ..... وهذا الشي الوحيد اللي خلاني احس بدفا يده لما مسكني
وشهقت ..... بدر .....
بلحظة من غير كلام ظهر من بين الجمع .... بعين القلق .... بخوف الحبيب ... بكل الأمان اللي كنت ادوره ... خطف يدي بكل قوة وسحبني من مكاني .... خشني تحت جناحه .... وطار فيني بعيد عن كل اللي راعبني ... حسيت واهو يركض فيني ان الصور تداخلت ببعض .... والأصوات وقفت .... وكل اللي حولي صار الوان من غير تفاصيل ....حزتها فقدت الإحساس بالوقت والمسافات ما ادري شكثر ركض فيني ... ولا حسيت بشدة قربي منه لأول مره بحياتي ... ويدي اللي نامت بيده من غير نية مسبقه .... وبشعور ما اعرف اوصفه لليوم .... تاهت لحظة القرب بين هتافات الطلبة اللي ما كنت قادره اسمعها زين .... وبين دموعي وانا ابجي وخايفه حتى اوصل سيارتي
كل اللي كنت اذكره صور معينه ... صور لما الحين لما احاول اتذكرها اقول شلون صار هذا كله
بدر ... يدي بيده واهو يركض فيني
تدافع الطلبه بالممرات
هتافات واصوات مختلطه
حمد وهو ينتظرنا عند سيارتي
انا وبدر بسيارتي وهو يحاول يهديني
النقاط الأمنية بالشوارع
طريج المنامة ..... وبيتنا
حمد ينزلني من السيارة ... وبدر يتبعني بعيون تنزف الم ... قلق .... خوف علي.... يركب سيارته اللي كان سايقها حمد ويمشي ... انا ادخل البيت مع حمد
وحضن أمي
........
"ماما .... وصلنا البحرين لو بعد "
انظر من نافذة الطائرة ... ارى شواطؤها .... سماؤها ...... وارضها التي فارقتها ولم تفارقني ..... ارضنا يا بدر ....
" ايه ماما وصلنا "
يهمس حمني للمى " ليش بابا ما ييه معانا "
تجاوبه لمى بنضج قد سبق سنها " بابا عنده شغل ... مسافر "
اختنق بعبرتي التي حبستها منذ ان غادرت الطائرة سماء الكويت ..... اختبئ وراء ابتسامتي .... اغمض عيني وكلي شوق
لحضن امي .... من جديد
يتبع